Long Read

همس الغراب ٢. شهوة في الترجمة

همس الغراب ٢. شهوة في الترجمة

الحلم الأول: شهوة في الترجمة

يا أمي الحبيبة،

دعيني أحكي لك عن الحلم الأول الذي رواه لي عمر، حلم غريب ومثير جمع بين الإثارة والخوف، وكشف عن جوانب في شخصيته لم أكن أعرفها من قبل.

الحلم الأول: شهوة في الترجمة

عمر فتح عينيه ببطء، الضوء الخافت للفجر يتسلل من بين الستائر الشيفون الرقيقة. للحظة، شعر بالارتباك، عيناه تجولان في أرجاء الغرفة الغريبة. الأثاث الأنيق والديكور الراقي أخبراه أنه ليس في مكانه المعتاد. حاول أن يتذكر كيف وصل إلى هنا، لكن عقله كان ضبابياً، كأنما مغطى بغشاوة رقيقة من النسيان.

حرك رأسه ببطء، وفجأة توقفت أنفاسه. بجواره، على الوسادة المجاورة، كان هناك شعر أشقر ذهبي منسدل بنعومة. قلبه خفق بسرعة وهو يدرك أنه ليس وحيداً في هذا السرير الغريب. وفجأة، ومضت في ذهنه صورة من الليلة الماضية - كان في البار، يغمز لهذه المرأة الشقراء، وهي تبتسم له بإغراء. شعر بموجة من الذنب تجتاحه.

حاول أن يهدئ من روعه، أن يستجمع أفكاره المتناثرة. من تكون هذه المرأة؟ وكيف انتهى به الأمر هنا؟

ببطء وحذر، رفع الملاءة عن جسده العاري، محاولاً الخروج من السرير دون إيقاظ رفيقته النائمة. لكن حركته الخفيفة كانت كافية. تحركت المرأة، وببطء استدارت نحوه، عيناها الزرقاوان تفتحان بكسل صباحي.

"Доброе утро, любовь моя," همست بصوت ناعم، ابتسامة دافئة ترتسم على شفتيها.

عمر تجمد في مكانه، عيناه تتسعان بالدهشة. لم يفهم كلمة واحدة مما قالته. حاول أن يرد، لكن الكلمات علقت في حلقه. أخيراً، تمتم بصوت مرتجف: "صباح الخير."

المرأة رفعت حاجبيها في استغراب، ثم ضحكت ضحكة خفيفة وقالت بلكنة ثقيلة: "أوه، أنت لا تتكلم الروسية. لا بأس، يمكننا التحدث بالإنجليزية."

ارتاح عمر قليلاً، على الأقل الآن يمكنهما التواصل. لكن سرعان ما أدرك أن الإنجليزية ليست لغته الأم، وأن التعبير عن نفسه بها سيكون تحدياً.

"أنا... أنا آسف، لكن... من أنت؟ وكيف وصلت إلى هنا؟" سأل عمر بإنجليزية متعثرة.

المرأة نظرت إليه بدهشة، ثم قهقهت مرة أخرى. "أوه، يبدو أنك شربت الكثير الليلة الماضية! أنا ناتاشا، ألا تتذكر؟ التقينا في البار، وكنت مفتوناً بي. قلت إنك تريد أن تتعلم الروسية، وأنا عرضت أن أعلمك."

عمر شعر بالدوار. البار؟ شرب؟ تعلم الروسية؟ كل هذا بدا غريباً وبعيداً عن شخصيته المعتادة. حاول أن يتذكر، لكن عقله كان فارغاً، باستثناء تلك اللمحة من ذكرى الغمزة في البار.

"أنا... أنا لا أتذكر الكثير،" اعترف بخجل.

ناتاشا ابتسمت برقة وقالت: "لا بأس، دعني أذكرك. كنت في البار مع أصدقائك، تحتفلون بشيء ما. كنت أعمل كنادلة هناك. رأيتني وأعجبت بي. تحدثنا طويلاً، وأخبرتني عن حلمك في تعلم لغات جديدة. قلت إنك تريد أن تكون مترجماً عالمياً يوماً ما."

عمر استمع بذهول. هل كان هذا حقاً هو؟ هل كان لديه هذه الأحلام الخفية التي لم يعترف بها حتى لنفسه؟

"وبعد ذلك؟" سأل، متلهفاً لمعرفة المزيد.

"حسناً، عرضت أن أعلمك بعض الكلمات الروسية. كنت متحمساً جداً. في النهاية، قررنا أن نأتي إلى شقتي لنتابع 'درس اللغة'،" قالت ناتاشا، وهي تغمز بعينها.

شعر عمر بالخجل والارتباك. هذا لم يكن هو على الإطلاق. كيف سمح لنفسه بالانجراف هكذا؟ فكر في، وشعر بالذنب يعتصر قلبه.

"أنا... أنا آسف، لكن هذا خطأ. أنا مخطوب، وأنا لا..." تلعثم عمر، محاولاً شرح الموقف.

ناتاشا نظرت إليه بحزن. "أوه، لم تخبرني بهذا الليلة الماضية. لكن لا بأس، ما حدث قد حدث. دعنا نستفد من الوقت على الأقل. هل ما زلت ترغب في تعلم بعض الروسية؟"

عمر تردد للحظة. جزء منه أراد أن يهرب من هذا الموقف المحرج، لكن جزءاً آخر كان فضولياً، متلهفاً لاستكشاف هذا الجانب الجديد من نفسه.

"حسناً،" وافق أخيراً. "علميني بعض الكلمات."

ابتسمت ناتاشا وبدأت في تعليمه بعض العبارات البسيطة. "Здравствуйте" لـ "مرحباً"، "Спасибо" لـ "شكراً"، "Я тебя люблю" لـ "أحبك".

مع كل كلمة جديدة، شعر عمر بعالم جديد ينفتح أمامه. اللغة الروسية، بأصواتها الغريبة وحروفها المختلفة، بدت له مثل لحن سحري، يأخذه إلى عوالم بعيدة لم يكن يعرف بوجودها من قبل.

لكن فجأة، بدأت الغرفة تدور حوله. الكلمات الروسية بدأت تتداخل في عقله، تتحول إلى صرخات غريبة. نظر إلى ناتاشا، لكن وجهها بدأ يتغير، يتحول إلى شكل مخيف.

وفجأة، ظهر الغراب. كان يقف على حافة السرير، عيناه السوداوان تحدقان في عمر بنظرة ثاقبة. بدأ الغراب ينعق، لكن صوته كان يشبه الكلمات الروسية التي تعلمها للتو.

شعر عمر بالرعب يجتاح جسده. حاول الصراخ، لكن صوته علق في حلقه. الغرفة أصبحت أكثر ظلمة، والغراب أصبح أكبر وأكثر تهديداً.

وفجأة، صرخ عمر باسمي: "منى!"

استيقظ عمر فزعاً، يلهث بشدة. نظر حوله ليجد نفسه في البار، محاطاً بأصدقائه الذين كانوا ينظرون إليه بقلق.

 

"هل أنت بخير يا عمر؟" سأل أحدهم.

لكن قبل أن يتمكن من الإجابة، شعر عمر بالدوار يجتاحه مرة أخرى. رأسه كان يدور، والكحول في دمه جعلت العالم يبدو ضبابياً. وقبل أن يدرك ما يحدث، سقط عمر فاداً للوعي مرة أخرى، غارقاً في عالم الأحلام من جديد.

يا أمي، عندما سمعت عمر يحكي لي عن هذا الحلم، شعرت بمزيج من القلق والتعاطف. كان من الواضح أن هذه التجربة قد هزته بعمق، وكشفت عن جوانب في شخصيته لم يكن يدركها. لكنني أيضاً شعرت بالامتنان لأنه كان صادقاً معي، وأنه في النهاية، كان اسمي هو ما نطق به عندما استيقظ من كابوسه. هذا الحلم، رغم غرابته، أكد لي مدى عمق حبه وارتباطه بي. وأنا الآن، يا أمي، أتساءل عن الأحلام الأخرى التي ستكشف لنا المزيد عن رحلة عمر في اكتشاف ذاته وحبنا.

 

© Y. El Deeb Registered in UAE under registration number 671-2024
مسجل بالمجلس الاعلي للثقافة - مصر-  إدارة حقوق المؤلف ١٣٨٢/٢٠٢٤

Reading next

🌴 The Pregnant Palms 🌴
A Rare Peek into Perfection

Leave a comment

All comments are moderated before being published.

This site is protected by hCaptcha and the hCaptcha Privacy Policy and Terms of Service apply.