Long Read

همس الغراب ٣ : قرش لكوابيسك

همس الغراب ٣  : قرش لكوابيسك

يا أمي الحبيبة،

تعالي أحكيلك عن الحلم التاني اللي حكاه لي عمر. كان حلم غريب ومثير، خلاني أشوف جانب تاني خالص من شخصية عمر، جانب مكنتش أعرفه قبل كده.

الحلم التاني: قرش لكوابيسك

عمر فتح عينيه ببطء، لقى نفسه نايم على سرير كبير، مغطى بملايات حرير ناعمة. الأوضة كانت فخمة جداً، مليانة أثاث عتيق ونجف كريستال بيلمع. للحظة، حس إنه في قصر من قصور ألف ليلة وليلة.

لما لف وشه على جنب، شاف واحدة حلوة قوي نايمة جنبه. كانت عارضة أزياء مصرية، شعرها الأسود الطويل منسدل على المخدة زي شلال حبر، وعنيها العسلي بتلمع في نور الصبح. ابتسمت له ابتسامة سحرتله عقله، خلت قلبه يدق جامد.

"صباح الخير يا حبيبي،" همست بصوت ناعم زي الحرير.

عمر ابتسم، مسحور بجمالها. "صباح النور يا... يا..."

"ياسمين،" كملت له وهي بتضحك. "نسيت اسمي بالسرعة دي؟"

عمر حس بالكسوف، بس حاول يخبي ارتباكه. "سوري، أنا... أنا لسه صاحي."

ياسمين قامت من السرير، ولبست روب حرير. "مش مشكلة يا حبيبي. يلا نفطر؟ أنا جعانة أوي."

راحوا لأوضة السفرة، كان في ترابيزة مليانة أكل فاخر مستنياهم. فواكه طازجة، وأنواع جبنة كتير، وعيش سخن، وعصاير طبيعية. عمر اندهش من كل الرفاهية دي، بس لاحظ إن ياسمين بالعافية لمست الأكل.

"مش جعانة؟" سألها باستغراب.

ياسمين هزت راسها. "لازم أحافظ على رشاقتي يا عمر. الكاميرا بتزود 5 كيلو على الأقل."

بدأت تتكلم عن شغلها كموديل، عن البارتيات اللي بتروحها، والهدوم الغالية اللي بتلبسها. عمر سمعها باهتمام في الأول، مبهور بعالمها الساحر. بس مع مرور الوقت، بدأ يلاحظ حاجة غريبة.

كل كلام ياسمين كان عن الفلوس والشهرة والمظاهر. كانت بتتكلم عن المجوهرات اللي عايزة تشتريها، والعربيات الفخمة اللي بتحلم بيها.

"تخيل يا عمر، لو عندي خاتم ألماس من كارتييه؟ أو ساعة رولكس؟ حياتي هتبقى كاملة!"

عمر حس بالضيق. "بس يا ياسمين، الحياة مش كلها مظاهر وفلوس. في حاجات تانية مهمة."

ياسمين ضحكت بسخرية. "زي إيه يا حبيبي؟ الحب؟ الحب ما بيجبش أكل. الفلوس هي اللي بتخلي الحياة حلوة."

مع مرور النهار، هوس ياسمين بالفلوس والمظاهر بقى واضح أكتر. كانت بتحسب كل قرش بتصرفه، وبتخطط على طول إزاي تكسب فلوس أكتر. حتى لما خرجوا يتفسحوا، كل همها كان تاخد صور تنشرها على السوشيال ميديا، عشان تزود شهرتها وفرص كسبها.

عمر حس إنه بيختنق. الست الحلوة دي، اللي كانت شكلها حلم في الأول، بقت دلوقتي كابوس من الطمع والسطحية. افتكر منى، بكرمها وطيبة قلبها، وحس بحنين جامد ليها.

لما الليل جه، رجعوا للشقة الفخمة. ياسمين انشغلت بحساب فلوسها من عرض أزياء شاركت فيه، وعمر قعد على طرف السرير، حاسس بالضياع والوحدة.

"ياسمين،" قال في الآخر، "مش حاسة إن الحياة فيها حاجات أهم من الفلوس؟"

بصتله باستغراب. "زي إيه يا عمر؟ الفلوس هي اللي بتجيب السعادة. من غيرها، إحنا ولا حاجة."

عمر حس بإحباط جامد. حاول ينام، بس كلام ياسمين فضل يتردد في دماغه. هي دي الحياة اللي عايزها؟ عالم كل حاجة فيه بتتقاس بالفلوس، حتى الحب؟

وفجأة، سمع صوت نعيق غراب. فتح عينيه ولقى الغراب واقف على حرف السرير، عينيه السودا بتبصله نظرة ثاقبة.

"إنت تاني؟" همس عمر بخوف.

الغراب نعق تاني، وفجأة الأوضة بدأت تتغير. الأثاث الفخم بدأ يدوب، والحيطان بدأت تقع. عمر صرخ، حاول يهرب، بس لقى نفسه بيغرق في بحر من العملات المعدنية والفلوس الورق.

"عمر! عمر!" سمع صوت ياسمين بتناديه، بس مبقاش شايف غير عينيها، اتحولوا لقطع دهب لامعة.

 

وفجأة عمر صحي من النوم مفزوع، قلبه بيدق جامد وجسمه كله عرقان. بص حواليه ولقى نفسه مش في أوضته زي ما كان فاكر، لكن في البار مع صحابه!

"عمر! إنت كويس؟" سأل واحد من صحابه، وشه مليان قلق.

عمر حاول يركز، عينيه بتدور في المكان. كل حاجة كانت بتلف حواليه. حس بالدوخة والغثيان من الكحول اللي في دمه.

"أنا... أنا فين؟" سأل بصوت متقطع.

"إنت في البار يا عمر، فاكر؟ كنا بنحتفل بليلة العزوبية بتاعتك!" رد عليه صاحبه التاني.

عمر حاول يقف، بس رجليه خانوه. "ياسمين... الفلوس... الغراب..."

صحابه بصوا لبعض باستغراب. "إنت بتهلوس يا عمر؟ مفيش حد هنا اسمه ياسمين!"

وقبل ما يقدر يرد، حس عمر بالدنيا بتلف أكتر وأكتر. عينيه بدأت تقفل، وقبل ما يعرف إيه اللي بيحصل، وقع تاني على الأرض، فاقد الوعي.

صحابه جريوا عليه، قلقانين. "عمر! عمر!"

بس عمر كان خلاص راح في غيبوبة تانية، غارق في عالم الأحلام من جديد، والغراب بيستناه هناك مع تحديات جديدة.

يا أمي، لما عمر حكالي عن اللحظة دي، حسيت قد إيه كانت مربكة ومخيفة ليه. الحدود بين الحلم والحقيقة اتمسحت، وهو مكانش عارف فين الصح وفين الغلط. وأنا قعدت أفكر، ترى إيه اللي هيحصل في الحلم الجاي؟ وإزاي الرحلة دي هتأثر على عمر وعلى حبنا؟

الحلم ده علمنا درس مهم يا ماما. الحب الحقيقي ميتقاسش بالفلوس ولا بالمظاهر. بيتقاس بالعطاء، بالتفاهم، بالدعم المتبادل. وأنا فرحانة إن عمر عارف كده، وإنه بيقدر القيم الحقيقية في حياتنا.

لكن آه، يا ماما، جهل الشباب، يصدقوا إن الحب ينباع وينشترى زي سلعة في السوق. في الحلم التاني، لما عمر شاف هوس العارضة بالغنى والمظاهر، اتعلم إن الحب الحقيقي مايتقاسش بالدهب ولا الجواهر. لأن إيه هو الحب المبني على رمال المادية المتحركة، إلا قلعة محكوم عليها تتهد مع أول علامة للشدة؟

Reading next

A Rare Peek into Perfection
Siblings

Leave a comment

All comments are moderated before being published.

This site is protected by hCaptcha and the hCaptcha Privacy Policy and Terms of Service apply.