يا أمي الحبيبة،
تعالي أحكيلك عن الحلم الخامس اللي حكاه لي عمر. كان حلم طويل وعميق، مليان بالشعر والجمال والحيرة. الحلم ده كشف جانب من عمر ماكناش نعرفه، جانب بيعشق الأدب والشعر، بس كمان بيتوه في غموضهم.
الحلم الخامس: "أصداء الصحراء"
عمر فتح عينيه، لقى نفسه في مكان غريب وساحر. كانت أوضة واسعة، الحيطان مغطية بسجاجيد عربي أصيل، منقوشة بخيوط الدهب والفضة. الأثاث كان فخم جداً، مصنوع من خشب الأبنوس المطعم بالعاج. في الركن، كان في نافورة صغيرة، صوت المية بيملأ المكان بهدوء. الهوا كان مليان بريحة البخور والمسك والعود، ريحة خلت عمر يحس إنه سافر في الزمن لعصور الخلافة العباسية.
وسط الأوضة، على كنبة مخملية حمرا، كانت قاعدة ست في منتهى الجمال. بشرتها بيضا وناعمة زي الحرير، وشعرها الأسود الطويل كان منسدل على ضهرها لحد ركبها. عينيها السودا كانت عميقة وغامضة، فيها حكمة ألف سنة وسحر الصحراء كلها.
"مرحباً بك يا عمر،" قالت الست بصوت عميق وناعم. "أنا لبنى."
عمر حس قلبه بيدق جامد. "أهلاً يا لبنى. المكان ده... إنتي... كل حاجة هنا كأنها من حلم."
لبنى ابتسمت ابتسامة غامضة. "الحياة كلها حلم يا عمر، والحب هو أجمل أحلامنا."
بدأت لبنى تتكلم، وعمر حس إنه بيغرق في بحر من الكلمات الجميلة. كانت بتتكلم عن الحب والشعر والصحراء، كل كلمة كانت بترسم صورة في خياله.
"الحب يا عمر،" قالت لبنى، "هو زي الصحراء. واسع بلا حدود، عميق زي الليل، وغامض زي النجوم."
وبدأت تلقي أبيات من الشعر العربي القديم:
"أحبك حباً لو مررتِ بخاطري ... يموت الهوى خجلاً ويحتار في أمري
وأهواك يا من صار قلبي مسكنه ... ولو خيروني ما اخترت غيرك في عمري"
عمر كان مبهور بجمال الكلمات، حاسس إن قلبه بيرفرف زي العصفور. "كلامك جميل أوي يا لبنى. بس... أنا مش فاهم كل حاجة."
لبنى ضحكت ضحكة خفيفة. "الشعر يا عمر مش لازم تفهمه، لازم تحسه."
ومع مرور الوقت، لبنى غاصت أكتر في عالم الشعر. كانت بتقول أبيات من شعراء كتير:
"وإني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثيرٍ ولكن لا أراكِ" - للمتنبي
"أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر" - لأبي فراس الحمداني
"قالوا: جننت بمن تهوى، فقلت لهم: ... العشق أعظم مما بالمجانين" - لقيس بن الملوح
عمر كان بيحاول يفهم، بيحاول يحس، بس كل ما لبنى تغوص أكتر في الشعر المعقد، كل ما يحس إنه بيبعد عنها. حاول يقرب منها، يمد إيده يلمسها، بس لبنى كانت دايماً بتبعد شوية.
"لبنى،" قال عمر في الآخر، صوته مليان بالحيرة. "كلامك جميل، بس أنا حاسس إننا بعاد. ممكن نقرب من بعض أكتر؟"
لبنى بصتله بعيون حزينة. "يا عمر، القرب الحقيقي في الروح، مش في الجسد."
وقالت بيت شعر تاني:
"وبيني وبينك من هواك حجاب ... فلا أنت تدنو لي ولا أنا أقرب"
عمر حس بإحباط كبير. المسافة بينه وبين لبنى حسها زي الصحراء، واسعة ومالهاش نهاية. كان عايز يفهمها، يحس بيها، مش بس يسمع كلامها الجميل.
مع مرور الليل، الحلم بدأ يتحول لكابوس حلو. عمر كان تايه بين جمال كلام لبنى وبين شوقه لقرب حقيقي. كان بيسأل نفسه: هو ده الحب الحقيقي؟ ولا الحب المفروض يكون أقرب من كده؟
في الآخر، تعب من المحاولة. رمى نفسه على السرير، دفن وشه في المخدة، بيحاول يهرب من الحيرة اللي مالية قلبه.
وفجأة، سمع صوت نعيق مألوف. فتح عينيه ببطء، وشاف الغراب واقف على طرف السرير، عينيه السودا بتبصله بحكمة.
"إنت تاني؟" همس عمر، حاسس براحة غريبة من وجود الغراب.
الغراب نعق مرة تانية، وفجأة الأوضة بدأت تتلاشى. صوت لبنى بعد، وريحة البخور اختفت. عمر حس إنه بيطير، بيسيب الحلم ده وراه.
وفجأة، صحي عمر، لقى نفسه في البار تاني، محاط بأصحابه. كان بيلهث وجسمه كله عرقان.
"عمر! إنت كويس؟" سأله صاحبه بقلق.
عمر هز راسه، مش قادر يتكلم. حس بالدوخة بتهاجمه تاني، والدنيا بتلف حواليه.
"لبنى... الشعر... الغراب..." همس قبل ما يفقد الوعي تاني، غارق في موجة جديدة من الأحلام.
يا أمي، لما عمر حكالي الحلم ده، حسيت قد إيه كان محتار ومحبط. الحلم ده علمه درس مهم عن الحب والتواصل. إن الحب مش بس كلام جميل وشعر، لازم يكون فيه تواصل حقيقي وفهم متبادل.
يا ماما، بتشوفي، حتى في قاع يأسنا، دايماً في أمل، دايماً في فرصة للخلاص. في الحلم الخامس، لما عمر حاول يرتبط بشاعرة الصحراء، اكتشف إن الحب لغة القلب، رابطة بتتخطى مجرد الكلمات والعقل. لأن إيه هو الحب اللي بيكلم العقل بس، إلا صدى فارغ لشوق الروح الحقيقي؟
الحلم ده خلاني أفكر كتير يا ماما. خلاني أسأل نفسي، هل الحب الحقيقي محتاج لغة مشتركة؟ ولا ممكن القلوب تتفاهم من غير كلام؟ وإزاي نقدر نوازن بين جمال الكلمات وحقيقة المشاعر؟
وأنا بستنى بفارغ الصبر الحلم اللي جاي. إيه تاني هيتعلمه عمر في رحلته دي؟ وإزاي كل ده هيأثر على فهمه للحب والتواصل؟
Leave a comment
All comments are moderated before being published.
This site is protected by hCaptcha and the hCaptcha Privacy Policy and Terms of Service apply.